مقدمة
﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا﴾ (سورة النساء: 58).
الأمانة الزوجية في الإسلام مفهومٌ أوسع من حفظ الجسد؛ إنها شجرة جذورها: حفظ الأسرار، صون المشاعر، حماية الأموال، ورعاية الحقوق.
وهي أساس بناء الأسرة القوية والمستقرة، وضرورة لتحقيق سعادة واستقرار الحياة الزوجية.
أركان الأمانة الزوجية في الميزان الشرعي
_ الأمانة الجسدية؛ {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا.. (31)} (سورة النور)، وأمانة النظر بتحريم النظر لما نهى الله عنه سواء كان النظر مباشر أو من خلال وسائل أخرى كالصور أو الأفلام.
ففي هذه الآية الكريمة أمرٌ بغض البصر وحفظ الفرج، والتي هي من أسباب تزكية النفس وتطهيرها.
_ الأمانة المالية؛ النفقة واجبة شرعاً على الزوج من تأمين مسكن ومأكل ومشرب وكل ضروريات الحياة الكريمة لقوله تعالى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (سورة البقرة: 233)، وقول الرسول ﷺ “إنَّ المُسْلِمَ إذا أنْفَقَ علَى أهْلِهِ نَفَقَةً، وهو يَحْتَسِبُها، كانَتْ له صَدَقَةً” (صحيح البخاري 5351)، ومن أفضل النفقات هي النفقة على الأهل والأولاد والأقربين؛ وإهمال ذلك فيه إثم كبير.
ومن باب الأمانة المالية كذلك؛ حفظ الزوج لمال زوجته وعدم التعدي عليه، فالزوجة لها ذمة مالية خاصة بها، وليس من حق الزوج الأخذ من مالها إلا بموافقتها لقوله تعالى {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا}(سورة النساء: 4).
_ الأمانة المعنوية؛ لقول النبي ﷺ: “إنَّ مِن أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَومَ القِيَامَةِ، الرَّجُلَ يُفْضِي إلى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا” (صحيح مسلم)، أي لا يتحدث الرجل بسر زوجته أمام الناس حتى أقربهم، وكذلك الزوجة لا تتحدث بأسرار زوجها وتذيعها بين الناس. لأن ذلك يعتبر أعظم خيانة للأمانة ونقضها، وأشدها عقوبة عند الله يوم القيامة.
كذلك من الأمانة المعنوية شعور كلا الزوجين بالآخر ومشاركته همومه، وعدم التكتم على ما يضر الشريك.
لماذا تعتبر الخيانة “جريمة مزدوجة”؟
1. خيانة لله أولاً
التعدي على حدود الله وارتكاب كبيرة من الكبائر: “لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهو مُؤْمِنٌ.. ” (صحيح البخاري).
2. خيانة للميثاق الغليظ: {وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا} (سورة النساء: 21). وخيانة الميثاق تشمل كل ما يخل بعهد الزواج، سواء كان جسدياً أو عاطفياً أو حت بالتفكير.
3. خيانة للأبناء:
فخيانة عهد الزواج يترتب عليه تفكك الأسرة، وإهمال الأبناء، والتسبب لهم بالمشاكل النفسية والصحية، وبالتالي التأثير على المجتمع.
كيف تحفظ الأمانة؟ دليل عملي للزوجين
أ. للزوجة:
– عدم إفشاء أسرار بيت زوجها (ولو لأهلها):
“إنَّ مِن أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَومَ القِيَامَةِ، الرَّجُلَ يُفْضِي إلى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا” (صحيح مسلم). يعتبر نقل تفاصيل الحياة الخاصة بالمنزل المتعلقة بالزوج والزوجة إلى طرف ثالث، حتى لو كان الأم إفشاءً لأسرار لا يجب مشاركتها مع الآخرين. فالحياة الزوجية لها خصوصيتها ولا بد من الحفاظ عليها.
– صون مال الزوج وعدم التصرف فيه إلا بإذنه. الإ إذا كان الزوج يمنع عن زوجته حقها في النفقة؛ فقد روي عن السيدة عائشة رضي الله عنها “جَاءَتْ هِنْدُ بنْتُ عُتْبَةَ بنِ رَبِيعَةَ فَقالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ.. إنَّ أبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ، فَهلْ عَلَيَّ مِن حَرَجٍ أنْ أُطْعِمَ مِنَ الذي له عِيَالَنَا؟ قالَ لَهَا: لا حَرَجَ عَلَيْكِ أنْ تُطْعِمِيهِمْ مِن مَعروفٍ.” (صحيح بخاري). نفقة الزوجة والأولاد واجبة على الزوج بقدر الكفاية؛ وإن منع عنها ذلك فلا إثم عليها أن تأخذ من ماله دون علمه بالمعروف بلا إسراف.
ب. للزوج:
– عدم إفشاء ما يراه من عيوب زوجته الجسدية أو النفسية.
– حفظ مشاعر الزوجة بعدم مقارنتها بغيرها.
ج. لكلاهما:
– حماية خصوصيات البيت من التسريبات الرقمية (صور – محادثات).
– الصدق في وصف المشاكل الصحية الوراثية قبل الزواج.
نموذج نبوي في حفظ الأمانة
موقف النبي ﷺ مع حفصة وعائشة رضي الله عنهما:
– عندما أفشت حفصة سرًّا لهما، نزل قوله تعالى: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} (سورة التحريم: 3)؛ ففي هذه الآية الكريمة توجيهٌ لحفظ الأسرار.
الخيانة الرقمية..!
وهنا تحذير الأزواج من مخاطر ظواهر العصر الرقمي الحديث:
* المحادثات السرية مع الجنس الآخر؛ “ما تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أضَرَّ علَى الرِّجالِ مِنَ النِّساءِ” (صحيح بخاري)؛ فلا داعي للتواصل دون سبب؛ وإن كان هناك سبب أن يكون ضمن الحدود، تجنباً للفتن وحفظاً للنفس.
* الإعجاب بالصور المحرمة “العينُ تزني وزِناها النَّظرُ والأُذنُ تزني وزِناها الاستماعُ” (ابن باز)؛ ولتفادي ذلك لا بد من حجب الحسابات اللاأخلاقية.
* إفشاء مشكلات الزواج على السوشيال ميديا؛ وإن كان هناك مشكلة لا بد من الاستشارة بها فالأفضل اللجوء لمستشار شرعي معروف وموثوق.
خاتمة
الأمانة طريق إلى الجنة؛ فلا يستقيم إيمان الشخص حتى تستقيم أمانته، ولا يستقيم زواج حتى تستقيم الثقة.
فالأمانة تاجُ الحياة الزوجية، والخيانة هادمةٌ للبيوت والأعراض.
قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} (سورة الأنفال: 27).