مقدمة
﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ (النساء: 34).
القوامة حكمة إلهية عظيمة لا تمييز أو امتيازاً للرجل؛ بل مسؤوليةٌ ثقيلة كلّفه بها الله عزّ وجلَّ، فما حدودها؟ وما حقوق الزوجة فيها؟.
أولًا: مفهوم القوامة.. بين الإساءة والفهم الصحيح
– القوامة ليست استبداد الرجل؛ بل رعاية وحماية “الرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته” (متفق عليه).
– إلغاء رأي المرأة؛ فالقوامة تُبنى على الشورى لا على قرار أحادي “فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ” (البقرة: 233).
– حق التعسف؛ فالقوامة مقيدة بالمعروف “وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ” (النساء: 19).
ثانياً: أركان القوامة الشرعية وأسبابها
1. الركن المادي:
– تحمُّل الرجل للنفقة الكاملة؛ “وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ” (البقرة: 233).
2. الركن النفسي:
– قدرة الزوج على تحمّل أعباء القرارات وحماية الأسرة.
3. الركن العاطفي:
– حسن معاملة الزوج لزوجته وتقديم الدعم النفسي لها؛ “فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا” (النساء:34).
لماذا الرجل له حق القوامة؟
لطبيعته الجسدية والنفسية التي تؤهله لتحمل (السفر الطويل – والمخاطر). ولتتمكن المرأة من التفرغ الكامل لتربية الأطفال، فلا بد من تقسيم الأدوار .
ثالثاً: حقوق الزوجة تحت مظلة القوامة
1. النفقة الواجبة: الطعام، المسكن، العلاج، التعليم.
2. المعاملة بالمعروف: النهي عن الإيذاء النفسي أو الجسدي.
3. الشورى في الأمور الكبرى: كشراء بيت، تربية الأبناء، تغيير العمل.
4. التعليم والعمل: حق الزوجة في العمل بموافقتها إن لم يُضِرّ بالأسرة.
5. العدل في التعدد: “.. فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً..” (النساء: 3).
رابعًا: حدود طاعة الزوج في القوامة
* إليكم بعض الحالات والموقف الشرعي منها : _ إذا أمر الزوج زوجته بمعصية؛ “لا طَاعَةَ في مَعْصِيَةٍ، إنَّما الطَّاعَةُ في المَعروفِ” (صحيح البخاري 7257).
_ إذا أهان كرامتها؛ “أكْملُ المؤمنينَ إيمانًا أحسنُهُم خلقًا . وخيارُكُم خيارُكُم لنسائِهِم” (أبو داود 4682 والترمذي 1162).
خامسًا: نماذج عملية من القوامة النبوية:
– المشورة في الأمور العامة
في صلح الحديبية، أمر النبي ﷺ الصحابة بنحر هَدْيِهم، فلم يمتثلوا لغضبهم من شروط الصلح. فدخل على زوجته أم سلمة (رضي الله عنها) مستشيراً لها، فأشارت عليه: “اخْرُجْ وَلَا تُكَلِّمْ أَحَدًا حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ” (البخاري).
وهذا دليل على أن القائد الحكيم لا يمتنع عن مشورة زوجته، والقوامة لا تلغي حكمة الزوجة.
* العدل في المشاعر بين الزوجات
كان النبي ﷺ يَقْسِم بين زوجاته بالعدل، ويقول: “اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ” (أبو داود 2134).
وهنا يقصد ميل القلب الذي لا يملك التحكم به. فالقوامة لا تعني إهمال مشاعر الزوجة، ولا بد من الموازنة بين العقل والقلب.
سادسًا: أخطاء تُحَوِّل القوامة إلى استبداد:
1. الاستبداد في الرأي، ورفض مشورة الزوجة في أمور الأسرة.
2. التحكم في مالها الخاص، مع أن للزوجة ذمة مالية مستقلة.
3. منعها من العمل المشروع بدون مبرر شرعي.
4. التقصير في النفقة رغم القدرة عليها.
خاتمة
القوامة علاقة تكاملية. ولم تكن يوماً سيفًا يسلَّط به على الزوجة؛ بل مظلةُ الأسرةَ حمايةً وعدلاً.
كما أن طاعة الزوج لا تكون إذعاناً.. بل شراكةٌ تُبنى على رعاية الزوج لمسؤولياته وحفظ الزوجة حقوق زوجها، ليُكرّما معًا بقوله تعالى ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ﴾ (البقرة: 187).