| | | |

المهر (الصداق) في الإسلام: رمز التقدير ووفاء العهد

مقدمة

يُعدُّ المهر (الصَدَاق) ركناً أساسياً في عقد الزواج الإسلامي، لكن فلسفته تختلف جذرياً عن النظرة المادية السائدة في كثير من المجتمعات. ففي الوقت الذي يحوِّل فيه البعض المهر إلى “صفقة تجارية” تُثقل كاهل الشباب، يجعل الإسلام منه “رمزاً للجدية والتقدير”، وشهادة على عفة الرابطة الزوجية.

المهر في النصوص الشرعية: معنى أعمق من المال
التعريف اللغوي
الصداق لغةً من “الصدق”، وهو ما يُدفع للمرأة عند الزواج تكريماً لها.
– التعريف الشرعي
حقٌّ أوجبه الله للمرأة على زوجها.

_ فقد جاء دليلٌ قرآنيٌ صريح على ذلك بقوله تعالى: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾ [سورة النساء: 4]. وجاءت كلمة “نِحْلَة” هنا مفتاحاً مفسراً ودقيقاً؛ فهي تعني: (عطاءً غير مشروط، وهبةً تليق بالمقام).

_ وجاء في السنة النبوية العملية:
تزوج النبي ﷺ بعض زوجاته بمهر رمزي (كأثاث بيت أو تعليم قرآن)، وتزوجت ابنته فاطمة بعَباءة ومنحوتة فِضَّة (دِرْعٌ قيمته 400 درهم).

فلسفة المهر: لماذا هو “رمزٌ” وليس “ثمناً”؟
1. تكريم المرأة وإعلاء شأنها:
الصداق اعترافٌ بقيمة المرأة كشريك في الحياة، لا كسلعة تُشترى.
2. اختبار جدية الرجل:
ليس المبلغ هو المعيار، بل الجدية في تحمل المسؤولية.
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “لا تغالوا في صدَقاتِ النِّساءِ فإنَّها لو كانت مَكرمةً في الدُّنيا أو تقوى عندَ اللَّهِ لكانَ أولاكم بِها نبِيُّ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ” (حدثه الألباني).
3. توثيق العهد الزوجي:
كالخاتم في الثقافات الأخرى، يُسجّل الصداق بداية عهدٍ مقدس.
4. حماية الحقوق:
المهر حقٌّ خالص للمرأة تتصرف فيه كيفما تشاء، وهو ضمان مادي إن انهار الزواج.

تحذير من بعض المخالفات
– المبالغة والمظاهر؛ فقد نهى الإسلام عن المغالاة في المهور التي تؤدي إلى:
• تأخر زواج الشباب.
• تحويل الزواج إلى “مزاد علني”.

* التفاخر الطبقي؛ كأن ترفض بعض العائلات الزواج إذا قلّ المهر! وهذا يُخالف قول النبي ﷺ: “أعظم النساء بركة أيسرهن مؤونة” (صحيح الجامع).

– حرمان المرأة من حقها؛ بحيث يحرم بعض الأهالي بناتهم من الصداق بحجة “العار”، أو بالاستيلاء على صداقها، وفي هذا ظلم صريح.

ماذا عن “المهر المعنوي”؟
قبلت السيدة خديجة رضي الله عنها زواج النبي ﷺ بمهر غير مادي (خِدمَته في تجارتها وخُلُقه).

كما قبلت امرأة مهاجرة زواج صحابي فقير مقابل تعليمها سورة من القرآن. وهذا يؤكد أن جوهر الصداق هو “القيمة المعنوية”.

نصائح عملية للمقبلين على الزواج
1. البساطة:
التمسك بالسنة النبوية في تخفيف المهور.
2. التوازن:
أن يكون المهر متناسباً مع قدرة الزوج دون إرهاقه.
3. الشفافية:
الاتفاق على المهر قبل العقد وعدم المماطلة في دفعه.
4. تمكين المرأة:
تذكير الأهل بحق الفتاة الكامل في التصرف بصداقها.

خاتمة
المهر في الإسلام “شهادة تقدير”، و”ميثاق احترام”، و”عربون جدية”؛ لبناء أسرة مستقرة. فليكن صداقنا امتثالًا لقول الله تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [سورة النساء: 19]، ولقوله ﷺ: “خيرُكُم خيرُكم لِأهْلِهِ ، وَأَنَا خيرُكم لِأَهْلِي” (صحيح الجامع).

_ لمزيد من التفاصيل الشرعية:
– “زاد المعاد” لابن القيم (فصل في مهور أزواج النبي ﷺ).
– “فقه السنة” للسيد سابق (كتاب النكاح).

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *