الولاية في الزواج: المفهوم، الأدلة، والجدل المعاصر

مقدمة

الولاية في الزواج أحد أركان عقد النكاح في الشريعة الإسلامية لدى معظم المذاهب الفقهية، وتُعرف بأنها: سلطة شرعية تُخوِّل شخصاً وهو (الوَلِيّ) بالإشراف على تزويج مَن هي تحت ولايته (كالبنت البكر، الصغيرة، أو حتى المرأة الراشدة عند بعض الفقهاء). وفي هذا حماية للمرأة وصوناً لمصالحها، لكنها أيضاً أحد أكثر الموضوعات إثارة للجدل في العصر الحديث.

مفهوم الولاية وأنواعها
1. الوَلِيّ:
– هو الذكر المسلم البالغ العاقل الرشيد من أقارب المرأة (الأب، الجد، الأخ، العم، ابن الأخ… إلخ) بترتيب الأولوية، ويشترط فيه العدالة والكفاءة.

2. المُوَلَّى عليها:
– الصغيرة والبكر البالغة: ولاية إجبارية عند الجمهور (ما عدا الحنفية).
– الثيِّب البالغة: ولاية اختيارية أو استشارية عند معظم الفقهاء.

3. أنواع الولاية:
– ولاية الاجبار: للأب والجد على الصغيرة والبكر.
– ولاية الاختيار: لبقية الأقارب (كالعم أو الأخ)؛ إلا أنهم لا ينفردون بالعقد دون موافقة المرأة.

الأدلة الشرعية للولاية
1. من القرآن الكريم
﴿وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (سورة النور: 32). في هذه الآية الكريمة خطاب للأولياء بمعنى زَوِّجوا من باب الستر والإصلاح والتعفف.
﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ۗ ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۗ ذَٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَأَطْهَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ (سورة البقرة: 232)؛ بمعنى لا تمنعوهن من الزواج.

2. من السنة النبوية
– حديث: «لا تُنكحُ الثيِّبُ حتى تُستأمرَ، و لا تُنكحُ البكرُ حتى تُستأذنَ، و إذْنُها الصموتُا» (متفق عليه). الأيم هي المرأة التي سبق لها الزواج، أما البكر فهي المرأة التي لم يسبق له الزواج؛ حيث نهى النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن تَزويجِهما بغير إذنِهما.
– حديث: «أيُّما امرأةٍ نَكَحَت بغيرِ إذنِ مَواليها، فنِكاحُها باطلٌ، ثلاثَ مرَّاتٍ فإن دخلَ بِها فالمَهْرُ لَها بما أصابَ منها، فإن تشاجَروا فالسُّلطانُ وليُّ مَن لا وليَّ لَهُ» (صحيح أبو داود). وهذا يعني أنه لا بد من وجود وليّ يقومُ على شأن المرأة، ولا يصحّ لها أنْ تتصرف دون إذنه؛ فلا تُزوِّج نفسها دون إذن وَليِّها.

3. الإجماع
– أجمع الفقهاء على ضرورة الولي في نكاح الصغيرة والصغير.

موقف المذاهب الفقهية
من ولاية البكر البالغة، وكذلك من الثيِّب
* الحنفية: لا تشترط الولي لزواج البكر البالغة (فلها أن تزوِّج نفسها). أما الثيِّب فلا تحتاج ولياً.
* ⁠المالكية: تشترط موافقة الولي في زواج البكر البالغة، أما الثيِّب فتحتاج لإذن الوليٍّ لكنه لا يُجبَر على الموافقة.
* الشافعية: تعتبر الولاية شرطٌ لصحة العقد للبكر البالغة، وكذلك لا تعقد للثيِّب بدون وليٍّ.
* الحنابلة: تعتبر الولاية شرطٌ لصحة العقد للبكر البالغة، ولا تعقد للثيِّب بدون وليٍّ.

النقاش الفقهي المعاصر
1. حق المرأة في التزويج
– يرى المجدِّدون أن الولاية “توصية” لا “إجبار”، خاصة للمرأة الراشدة، مستندين إلى حقها في الاختيار المنصوص عليه في الحديث الشريف.

2. الولاية بين الحماية والعضل:
– الإيجابيات: ضمان الخبرة في اختيار الزوج، وحماية المرأة من الاستغلال وحفظ حقوقها.
– السلبيات: تحوُّلها إلى “عُضل” في حال منع الوليّ التزويج بغير سبب شرعي.

3. تطبيقات معاصرة:
– بعض الدول (مصر، تونس، المغرب) اشترطت حضور الولي دون إعطائه حق الاعتراض.
– سمح القانون في دول مثل (السعودية، الكويت) للمرأة بتفويض غير الولي (المأذون) إذا تعسّف الأقارب.

شروط انعقاد الولاية الصحيحة
1. رضا المرأة: فلا يصح تزويجها رغماً عنها.
2. الكفاءة: أن يكون الزوج متكافئاً مع المرأة في الدين والنسب والمستوى الاجتماعي.
3. المهر المناسب: لا يجوز للوليّ التهاون في المهر أو طلب مهر مبالغ فيه.
4. منع العضل: يحرم على الولي منع المرأة من الزواج بشخصٍ يُكافئها دون سبب شرعي.

الخاتمة

نحو فهم متوازن للولاية في الزواج؛ فهي ليست انتقاصاً من حق المرأة، بل هي مؤسسة شرعية تهدف إلى حماية حقوق المرأة وتوجيهها، لكن تطبيقها يجب أن يراعي:
– تغيُّر الظروف الاجتماعية.
– تأكيد على حق المرأة في الموافقة أو الرفض.
– منع استغلال الوليّ حقه في الولاية للتحكم في مصير المرأة.
وبذلك تتحقق مقاصد الشريعة في حفظ كرامة المرأة وإنصافها وتكوين الأسرة المستقرة.

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *