|

تحديات أول سنة من الزواج.. رؤية شرعية

مقدمة

الحياة الزوجية علاقة متينة تقوم على المودة والرحمة، قال تعالى: “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً” (سورة الروم: 21).

لكن السنة الأولى من الزواج تعتبر مرحلة تأسيسية حاسمة في بناء الحياة المشتركة، حيث يواجه الزوجان العديد من التحديات التي تشكل اختباراً حقيقياً لقوة علاقتهما وقدرتهما على التعايش معاً.

هذه المرحلة قد تكون في الواقع فترة تكيف صعبة، تحمل تحديات تتطلب جهداً كبيراً من كلا الطرفين، وتحتاج إلى صبر وحكمة وتوكل على الله.

 التحديات الرئيسية في السنة الأولى من الزواج من منظور شرعي

 1. التوقعات غير الواقعية وضرورة التوافق
يوجهنا القرآن الكريم إلى أهمية النظر إلى الزواج باعتباره مسؤولية وشراكة حياتية، فقال تعالى: “هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ” (سورة البقرة: 187). هذا التشبيه القرآني يوضح أن كلاً من الزوجين ستر للآخر وأمان.

كثيراً ما يدخل الزوجان الحياة الزوجية بتوقعات مثالية مبنية على الصور النمطية أو القصص الرومانسية، ليكتشفا لاحقاً أن الواقع مختلفٌ تماماً. هذا الفارق بين التوقعات والواقع قد يُسبب خيبة أمل وإحباطاً إذا لم يتم التعامل معه بتفهم وحكمة.

2. التكيف مع شخصية الشريك
يمثل التعود على عادات الشريك وطباعه تحدياً كبيراً، فكل فرد يأتي من خلفية أسرية وتربوية مختلفة، مما يجعله يمتلك عادات وتصرفات قد تكون غير مألوفة للطرف الآخر.

وقد حثّ النبي صلى الله عليه وسلم على حسن العشرة بين الزوجين فقال: “أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم” (رواه الترمذي). هذا الحديث يؤكد على أهمية التحلي بالأخلاق الحسنة والتكيف مع شريك الحياة.

 3. المسؤوليات المالية المشتركة
إدارة الشؤون المالية تمثل أحد أهم التحديات في السنة الأولى، حيث يبدأ الزوجان في تحمل مسؤوليات مالية مشتركة واتخاذ قرارات مالية مهمة تؤثر على مستقبلهما.

وينبه القرآن إلى أهمية التوازن في الإنفاق دون إسراف أو تقتير: “وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا” (سورة الفرقان: 67). كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالمعروف في النفقة فقال: “دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك” (رواه مسلم).

 4. التدخلات الخارجية ووضع الحدود
قد يواجه الزوجين ضغوطاً من الأهل والأصدقاء الذين يحاولون التأثير على قراراتهما أو فرض آرائهم، أو التدخل في خصوصياتهم؛ مما يستدعي وضع حدود واضحة للحفاظ على استقلالية الأسرة الجديدة.

يؤكد القرآن الكريم على أهمية حفظ الحياة الخاصة للزوجين وعدم إفشاء الأسرار، فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على حفظ الأسرار الزوجية فقال: “إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها” (رواه مسلم).

 5. توزيع المهام والمسؤوليات المنزلية
غالباً ما تظهر خلافات حول تقسيم الأعمال المنزلية والمسؤوليات اليومية، خاصة مع اختلاف توقعات كل طرف حول دور الشريك.

وضع الإسلام ضوابط للتكامل بين الزوجين في المسؤوليات، فقال تعالى: “وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ” (سورة البقرة: 228). وكان النبي صلى الله عليه وسلم يشارك في أعمال البيت، كما روت السيدة عائشة رضي الله عنها: “ما كانَ يصنعُ النَّبيُّ في أهلِهِ ؟ فقالت : كان يكونُ في مِهْنَةِ أهلِهِ ، فإذا حضرتِ الصَّلاةُ خرجَ” (رواه البخاري).

نصائح شرعية للتغلب على تحديات السنة الأولى

– التواصل القائم على المشورة والصدق:

قال تعالى: “وَأْمُرْهُمْ شُّورَىٰ بَيْنَهُمْ” (سورة الشورى: 38)، وقال تعالى:“وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ” (سورة آل عمران: 159).

ويعتبر التواصل الصادق مفتاحاً أساسياً لفهم احتياجات كل طرف وتوقعاته.

– الصبر والتحمل:

قال تعالى: “إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ” (سورة الزمر: 10).

– التسامح والعفو:

قال تعالى: “وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّـهُ لَكُمْ” (سورة النور: 22). فلا بد من تقبل الاختلافات والعمل على إيجاد أرضية مشتركة.

– الدعاء واللجوء إلى الله:

قال تعالى: “وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ” (سورة غافر: 60).

– وضع أهداف مشتركة:

التخطيط للمستقبل معاً يعزز الشعور بالشراكة الحقيقية.

– طلب المساعدة عند الحاجة:

لا تترددا في استشارة متخصصين في العلاقات الزوجية عند مواجهة صعوبات مستعصية.

الخلاصة

السنة الأولى من الزواج تمثل اختباراً إلهياً ورحلة تعلم ونمو مشترك للزوجين، ورغم  التحديات التي قد تبدو كبيرة إلا أن تجاوزها بنجاح هو فرصة لنيل الأجر والثواب عند الصبر والتحلي بالأخلاق الإسلامية. ويعزز أواصر العلاقة ويبني أساساً متيناً لحياة زوجية سعيدة.

بالاعتماد على الهدي القرآني والنبوي، يمكن تحويل هذه التحديات إلى فرص للنمو الروحي والتربوي، مما يعزز أواصر المودة والرحمة التي ذكرها الله تعالى في كتابه العزيز، وفرص للتقارب والفهم المتبادل.

فالسنة الأولى للأزواج هي بداية طريق استكمال النصف الثاني من الدين بالتقوى والصبر وحسن العشرة.

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *