مقدمة
الزواج في الإسلام ليس مجرد عقد يبيح العلاقة بين الرجل والمرأة، بل هو لبنة أساسية في صرح الأمة، ومؤسسة اجتماعية تُبنى عليها مقومات المجتمع الفاضل. يقول تعالى: “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً” (سورة الروم: 21).
هذه الآية تُلخّص الرؤية الإسلامية الشاملة للزواج كأداة لتحقيق السكينة النفسية والتماسك الاجتماعي.
الأسس الشرعية للزواج كمنظومة مجتمعية
1. حفظ النسل وصون الأخلاق:
– الزواج هو الوسيلة الشرعية الوحيدة لإنجاب الذرية وتكوين الأسر، مما يحمي المجتمع من الانحلال الخلقي.
* الحديث النبوي: “يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج” (متفق عليه).
2. تحقيق التكامل الاجتماعي:
– يربط الزواج بين الأسر والعشائر في نسيج متين، فيحد من الصراعات الطبقية والقبلية عبر المصاهرة. “يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٍۢ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْ ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” (سورة الحجرات: 13).
الوظيفة التربوية للزواج في بناء الفرد والمجتمع
– تنشئة جيل قرآني: تربية الأبناء على القيم الإسلامية (الصلاة، الصدق، البر)؛ وبذلك إعداد أفراد صالحين يُسهمون في نهضة الأمة.
– بناء الشخصية المتوازنة: تقديم القدوة الحسنة (الزوج/الزوجة) للأطفال لوقاية المجتمع من الأمراض النفسية والانحرافات
– ترسيخ ثقافة المسؤولية: تعليم الأبناء حقوق الآخرين من خلال نموذج الأسرة؛ من أجل خلق مجتمع متعاون قائم على التكامل.
دور الزواج في تحقيق التوازن الاجتماعي
1. القضاء على المشكلات المجتمعية:
– تقليل ظواهر العنوسة، الطلاق العشوائي، الأطفال غير الشرعيين.
2. الضمان الاقتصادي:
– النفقة الواجبة على الزوج تحمي المرأة من الاستغلال، وتُحقق التكافل داخل الأسرة.
3. المناعة الفكرية:
– الأسرة المسلمة هي حصن المواجهة الأول ضد الغزو الثقافي الغربي، عبر غرس الهوية الإسلامية.
تحديات معاصرة وحلول إسلامية
_ ضعف الوازع الديني في اختيار الشريك؛ وهذا بحاجة إلى التثقيف بمقاصد الزواج (الدين أولاً، لقوله ﷺ: “تُنكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ…” (متفق عليه).
_ تأخر الزواج، بسبب المبالغة في المتطلبات المادية؛ والحل بالتيسير والتقليل من المهور؛ قال عمرُ بنُ الخطَّابِ: “ألا لا تغلوا صُدُقِ النِّساءِ ، فإنَّه لو كان مَكرُمةً في الدُّنيا ، أو تقوَى عند اللهِ عزَّ وجلَّ كان أولاكم به النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم” (الترمذي والنسائي)، والاستفادة من صندوق الزواج الإسلامي.
_ غياب التربية الأسرية على مهارات حل الخلافات؛ فلا بد من تفعيل دور “الحكمين” كما في قوله تعالى: “وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا..” (سورة النساء: 35).
خاتمة
الزواج في الرؤية الإسلامية مشروع حضاري متكامل، يجمع بين العبادة (بتحقيق السكينة)، والتنمية (بإعداد الأجيال)، والحضارة (ببناء مجتمع متماسك). وهو ليس حقًّا فرديًّا فحسب، بل مسؤولية جماعية تتطلب:
– توعية الشباب بفقه الأسرة.
– تبسيط إجراءات الزواج.
– دعم الأسر الجديدة تربويًّا واقتصاديًّا.
لأن إصلاح المجتمع يبدأ بإصلاح الخلية الأولى فيه وهي الأسرة المسلمة.
“الأسرة القائمة على المودة والرحمة، هي التربة التي تنبت لنا أمةً تعيد بناء الحضارة”.