رباط القلوب: مساندة الزوجان لبعضهما في زمن الحروب

كيف تختار شريك حياتك؟ نصائح عملية للباحثين عن الزواج
  • مقدمة

الزواج جهادٌ في زمن الفتن
﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ (المائدة: 2).
في زمن الحرب تتصاعد المخاوف وتُختبر الروابط الإنسانية، يتحول الزواج من “سكن ومودة” إلى “حصنٍ إيماني” وشراكة بقاء. فكيف يُعزز الإسلام دعم الزوجين لبعضهما في هذه المحن؟ .

أولاً: أسس المساندة الزوجية في القرآن والسنة
المبادىء الشرعية وتطبيقاتها العملية في الحرب :

_ السكن النفسي: ﴿لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾ (الروم: 21)
التخفيف من الذكريات المؤلمة بالاستماع دون حكم، أو التلفظ بعبارات جارحة مثل: “أنت سبب هروبنا!”.
_ التعاون على التقوى:
“المُؤْمِنَ للمؤمنِ كالبُنْيانِ يشدُّ بَعضُهُ بعضًا”. (صحيح البخاري 6026 ومسلم 2585).
التعاون وتقسيم المهام بين الزوجين مهم من حيث تجهيز المؤن، وتأمين الملجأ. والصلاة معاً والدعاء لرفع البلاء.
_ الصبر: ﴿إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ (الشرح: 6).
تذكير الأزواج بعضهما بثواب الصابرين؛ “ما يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِن نَصَبٍ ولَا وصَبٍ، ولَا هَمٍّ ولَا حُزْنٍ ولَا أذًى ولَا غَمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بهَا مِن خَطَايَاهُ”. (صحيح البخاري 5642 ومسلم 2543). فالصبر على الابتلاءات له ثَوابٌ عظيم عند اللهِ عزَّ وجلَّ؛ حيث جعل الله الابتلاءاتِ كفارات لذنوب المؤمن ورِفعةً لدرجاته.

ثانياً: نماذج عملية من السيرة النبوية:
1. خديجة رضي الله عنها في حصار (شِعب أبي طالب)؛ وقفت بجانب النبي ﷺ ثلاث سنوات في الحصار، تُمده بالطعام وتدافع عنه أمام المشركين، وعانت ما عاناه بني هاشم من جوع ومرض.

2. أم سلمة وهجرتها؛ عندما مات زوجها أبو سلمة في الغربة، دعَت بدعاء الصبر “.. اللَّهُمَّ أْجُرْنِي في مُصِيبَتِي، وأَخْلِفْ لي خَيْرًا مِنْها، إلَّا أخْلَفَ اللَّهُ له خَيْرًا مِنْها” (صحيح مسلم 918)، فزوَّجها اللهُ النبيَّ ﷺ.

فلا بد من تسليم الأمور للهِ عزَّ وجلَّ عند نُزول المَصائبِ، واللجوء إلى حَولِه وقُوَّتِه سُبحانَه؛ فهوَ المُقدِّر، وعنده العوض.

ثالثاً: دليل عملي لمساندة الأزواج بعضهما

أ. قبل النزوح (إن أمكن):

– التخطيط المشترك: وضع خطة طوارئ بخطوات سريعة: ( تجهيز حقيبة بالضروريات كالوثائق الرسمية والأدوية، مكان بديل).
* تعليم الأطفال رقمَ هاتف والديهم عن ظهر قلب.

ب. أثناء القصف أو النزوح:

– حماية المشاعر : محاولة بث الطمأنينة في نفس الزوجة وشعورها بالأمان عند سماع أصوات القذائف، والتفجيرات.

– حماية الجسد: أن يحافظ الزوج على سلامة زوجته وأطفاله بالقدر المستطاع وتجنيبهم الخطر. “والرجلُ راعٍ على أهلِ بيتِهِ وهو مسؤولٌ عنهم” (متفق عليه).

ج. في الملاجئ أو المخيمات:
– الحفاظ على الصلاة في أوقاتها وإقامة الصلاة جماعة إن أمكن.
– ⁠استذكار قصص الأنبياء أوقات الشدة كسيدنا يونس في بطن الحوت.
– ⁠ترشيد الموارد من خلال تخزين المواد الغذائية الأساسية وتقسيم الطعام بحقوق ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ﴾ (المعارج: 24).

رابعاً: وصايا شرعية لمواجهة الأزمات

1. لا تُفْرط في الذمِّ للقدر
كالقول لو فعلتُ كذا لكان كذا.. “وإنْ أَصَابَكَ شَيءٌ، فلا تَقُلْ: لو أَنِّي فَعَلْتُ كانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهِ وَما شَاءَ فَعَلَ؛ فإنَّ (لو) تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ” (صحيح مسلم 2664).

2. الاستعانة بالصلاة
“كان النبي ﷺ إذا حَزَبه أمرٌ صلَّى” (أبو داود 1319). وكذلك ذكر الله والاستغفار الدائمين.

3. إدخال الفرح على الأطفال ومراعاة الزوجين لوالديهما ومواساتهم.
“ليسَ منَّا من لَم يَرحَمْ صغيرَنا ، و يعرِفْ حَقَّ كَبيرِنا” (أبو داود 4943).

4. تحريم اليأس
– ﴿وَلَا تَيْئَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ﴾ (يوسف: 87).

خاتمة

الزواج رباط مقدس حتى في أحلك الظروف وأصعبها.
إذا رأيتَ الزوجة تُساند زوجها، والزوج يدفع بطعامه لزوجته وأطفاله؛ فاعلم أن الإيمان يَعمُر القلوب رغم الألم.
هذه المساندة ليست خياراً بل فريضة إسلامية، وعلامة على أن الزواج ميثاق غليظ لا تهزه الحروب وجهادٌ بالصبر والتراحم.

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *