|

ظاهرة العنوسة.. الأسباب والعلاج من منظور إسلامي

مقدمة

تأخر الزواج عن السن المناسب أو ما يسمى “العنوسة” ليست مجرد ظاهرة ديموغرافية، بل أزمة مجتمعية تهدد كيان الأسرة المسلمة. بينما يحث الإسلام على الزواج كسنة نبوية لقوله ﷺ “النِّكَاحُ من سُنَّتِي فمَنْ لمْ يَعْمَلْ بِسُنَّتِي فَليسَ مِنِّي ، و تَزَوَّجُوا ؛ فإني مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ ، و مَنْ كان ذَا طَوْلٍ فَلْيَنْكِحْ ، ومَنْ لمْ يَجِدْ فَعليهِ بِالصِّيامِ، فإنَّ الصَّوْمَ لهُ وِجَاءٌ” (ابن ماجه)، إلا أننا نجد ارتفاعًا مقلقاً في نسب العنوسة في العالم الإسلامي. فما الأسباب؟ وما الحلول الشرعية؟

تعريف “العنوسة” في الميزان الإسلامي
– الفرق بين المفهوم الاجتماعي والشرعي:
– المفهوم الاجتماعي: ارتباطها بسن معينة (كسن 30 سنة للفتاة).
– الرؤية الإسلامية: كل من تأخر عن الزواج مع القدرة عليه، بغض النظر عن السن.
– حكمها:
ليست “حراماً” بذاتها، لكنها قد تؤدي لمحظورات (كالفتنة بين الشباب، ضياع فرص الإنجاب لدى المرأة).

تشخيص الأسباب من منظور إسلامي في عدة مجالات:

المجال الاقتصادي
1. غلاء المهور والمبالغة في متطلبات الزواج.
2. البطالة وضعف الدخل لدى الشباب.
3. التكلفة الباهظة لحفلات الزفاف.

المجال الاجتماعي
1. العادات القبلية؛ بعدم التمييز بين المناسب وغير المناسب.
2. ⁠تدخل الأهل المفرط في اختيار الشريك.
3. ⁠انتشار العزوف عن تعدد الزوجات رغم حلِّه شرعاً.

المجال الثقافي
1. تغيير معايير الاختيار؛ من خلال التركيز على المظاهر الشكلية والماديات).
2. الخوف من الطلاق بسبب ارتفاع نسبته في المجتمعات.
3. تأثير الإعلام السلبي؛ من خلال نشر نماذج زواج غير واقعية.

المجال التربوي
1. ضعف وحتى انعدام التوعية بفقه الأسرة في المناهج التعليمية الحديثة.
2. عدم إعداد الشباب لمسؤوليات الزواج.

العلاج الشرعي – رؤية عملية:

أ. على مستوى الفرد والأسرة:
1. تبسيط تكاليف الزواج؛ بتطبيق هدي النبي ﷺ: «خير النكاح أيسره» (أبو داود وابن حبان).
– تقديم المهر الرمزي (كمهر فاطمة رضي الله عنها: 480 درهمًا).

2. مراعاة معايير الاختيار الصحيحة
* تقديم الدين والخلق: «إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ» (الترمذي).
* ⁠تجنب التحيز الطبقي أو العرقي.

3. تفعيل حلول التعدد
– تطبيقه بضوابط العدل؛ “فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ” (سورة النساء: 3).

ب. على مستوى المجتمع والمؤسسات

* صندوق الزواج الإسلامي: تمويل جماعي يقدّم قروضاً حسنة للشباب.
* ⁠مراكز التوفيق الأسري؛ من خلال جهات وسيطة لتيسير التعارف الشرعي.
* ⁠مشاريع “بيوت الشباب”؛ بتوفير سكن ميسر للمتزوجين حديثاً.
* ⁠تعديل القوانين؛ بتحديد سقف للمهور (كما في المغرب والسودان).

ج. على مستوى الدولة:
1. مكافحة البطالة؛ إنشاء مشاريع تنموية تستوعب الخريجين.
2. دعم التعليم المهني؛ بتمكين الشباب من مهن تحقق اكتفاءً ذاتيًّا.
3. توعية إعلامية؛ إنتاج دراما هادفة تعزز ثقافة الزواج البسيط.

نماذج ناجحة في مواجهة العنوسة:
* تجربة ماليزيا
– خفضت معدل العنوسة لـ 18% عبر برنامج “الزواج في يوم واحد” بإتمام عقود الزواج جماعياً.
– منح حكومية لشراء مستلزمات المنزل.

* مبادرة “مودة” السعودية القائمة على تأهيل المقبلين على الزواج عبر ورش عمل مجانية.

خاتمة
علاج العنوسة مسؤولية جماعية لما لها من تأثيرات سلبية جسد الأمة؛ فهي تُهدر الطاقات، وتُضعف الأخلاق، وتهدم المستقبل.
والعلاج لا يكون إلا بـ:
– إحياء السُّنة في تبسيط الزواج.
– تضافر جهود بين كلٍ من (الأفراد، المؤسسات، الدولة).
– تغيير الثقافة السلبية حول سن الزواج المثالي.
قال تعالى: “وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ” (سورة النور: 32). فهذا الأمر الإلهي يوجب على المجتمع المسلم الاهتمام بالشباب وعلاج مشاكلهم، وعدم تركهم غارقين في مغريات الحياة.

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *