| | |

مفسدات الحياة الزوجية.. النظر إلى متع الآخرين

مقدمة

بنى الإسلام الأسرة على أسس متينة من المودة والرحمة والسكينة، ولكن هناك عوامل كثيرة قد تهدم هذا البناء وتفسد هذه العلاقة.

ومن أبرز هذه المفسدات ما أشارت إليه الآية الكريمة في سورة طه: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ۚ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ} [الآية 131].

تفسير الآية ومعناها

تبين هذه الآية الكريمة تحذيراً إلهياً من النظر بشهوة وحسد إلى ما يتمتع به الآخرون من متع الحياة الدنيا وزينتها. فالله تعالى ينبه المؤمنين إلى عدم التطلع إلى ما أفاء به على بعض الناس من النعم المادية، والتي هي في حقيقتها اختبار وفتنة، وليس شرطاً أن تكون دليلاً على الفضل أو الكرامة.

 كيف يكون النظر إلى متع الآخرين مفسداً للعلاقة الزوجية؟

 1. زراعة بذور الحسد والضغينة
عندما يبدأ أحد الزوجين في مقارنة حياته بحياة الآخرين، ومقارنة ما لديهما بما لدى الغير، فإن ذلك يولد مشاعر الحسد والاستياء، مما يهدد استقرار الأسرة.

2. إهمال نعم الله الظاهرة والباطنة
يؤدي التطلع إلى ما عند الآخرين إلى نسيان النعم الكثيرة التي منّ الله بها على الزوجين، مما يفقد العلاقة الزوجية بركة القناعة وشكر النعم.

3. خلق توقعات غير واقعية
عندما يتطلع الشخص إلى حياة الآخرين المادية، قد يخلق ذلك توقعات غير واقعية في ذهنه، مما يجعله غير راضٍ عن واقعه، ويضغط على شريكه لتحقيق ما قد يفوق طاقته.

4. إضاعة الوقت والجهد في المقارنات
بدلاً من استثمار الطاقة في بناء الحياة الأسرية وتطويرها، تُهدر في المقارنات والتفكير في ما يملكه الآخرون.

 أمثلة واقعية من الحياة الزوجية

المقارنات في صفات الشريك
– مثال: أن تقارن الزوجة بين زوجها وأزواج صديقاتها من ناحية المظهر أو الشخصية أو النجاح الوظيفي، أو أن يقارن الزوج بين زوجته وإحدى قريباته من ناحية الجمال أو مهارات الطبخ والترتيب.

 المقارنات المادية
– مثال: النظر إلى منازل الآخرين وسياراتهم وملابسهم وأثاث منازلهم، والشعور بالنقص مما لديهم، ومحاسبة الشريك على عدم توفير نفس المستوى المعيشي.

المقارنات في الأبناء
– مثال: مقارنة أبنائهم بأبناء الآخرين في التحصيل الدراسي أو المواهب أو المظهر، مما يولد شعوراً بالتقصير وعدم الرضا.

تطلع إلى تعامل الأزواج الآخرين
– مثال: أن تسمع الزوجة عن هدايا صديقاتها من أزواجهن، أو رحلات يقومون بها، فتشعر بالاستياء من زوجها لأنه لا يفعل الشيء نفسه. أو أن يرى الزوج كيف تتعامل زوجة صديقه معه، فيقارن بينها وبين زوجته.

تأثير هذا السلوك على السعادة والاستقرار الزوجي

يؤدي النظر إلى متع الآخرين إلى:
– تقليل الرضا عن الشريك والحياة المشتركة.
– زيادة المشاكل المادية والنزاعات حول الإنفاق.
– فقدان الثقة بين الزوجين.
– تراجع المشاعر الإيجابية وحلول السخط محل الرضا.
– اهتزاز الأمن النفسي داخل الأسرة.

العلاج والوقاية في ضوء القرآن الكريم

تقدم الآية الكريمة العلاج الناجع لهذه المشكلة في قوله تعالى: {وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ}. وهذا يتضمن:

1. اليقين بأن رزق الله خير: فما عند الله من نعمٍ روحية ومادية أفضل مما لدى الآخرين.

2. الإيمان بأن رزق الله أبقى: فمتاع الدنيا زائل وفانٍ، أما رضوان الله ونعيمه فأبقى.

3. تربية النفس على القناعة: وهي بوابة الرضا والسعادة الحقيقية.

4. تذكر أن النعم اختبار: فما عند الآخرين قد يكون فتنة لهم وليس بالضرورة دليلاً على محبة الله لهم.

5. ممارسة الامتنان اليومي: بتذكّر نعم الله على النفس وعلى الأسرة.

6. تجنب المواقع والمقارنات: التي تثير مشاعر الحسد والاستياء.

7. التركيز على بناء حياة أسرية: مبنية على القيم والمبادئ لا على الماديات والمظاهر.

خاتمة

الحياة الزوجية السعيدة تقوم على القناعة والرضا، والبعد عن النظر إلى ما عند الآخرين. فالسعادة لا تُقاس بما نملك من متاع الدنيا، ولكن بما في القلوب من محبة ورضا وقناعة. والآية الكريمة تذكرنا بأن الخير الحقيقي هو فيما عند الله، وهو خيرٌ وأبقى، مما يعين الزوجين على تجاوز فتنة المقارنات والمظاهر، وبناء حياة زوجية مستقرة يسودها الوفاق والمحبة.

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *