الزواج ليس عقدا عاديا! لماذا وصفه القرآن بالميثاق الغليظ؟

مقدمة

{وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا} (النساء: 21).
ذكر  الله عزّ وجل في كتابه الكريم مصطلحاً فريداً عن الزواج يستحق التمعن؛ فلم يقل”عقدًا” أو “اتفاقًا” بل قال “ميثاقًا غليظًا”؛ لا بدَّ لك من تدبر معناه وفهمه بشكلٍ سليم لتغيير النظرة لمفهوم الزواج!.. فما السر في هذه الصيغة؟ وما آثارها على حياتك الزوجية؟

لماذا مصطلح “ميثاق غليظ”؟

من حيث الدلالة الشرعية والأثر العملي؛ فالميثاق هو عهدٌ مُلزمٌ من الطرفين أمام الله، هذا العهد أقوى من أي عقد دنيوي؛ يُشعر الزوجان بقدسية العلاقة بينهما وبأن الزواج عبادةٌ ومسؤولية أمام الله عزّ وجل وأمام نفسيهما في الدنيا والآخرة.
وغليظ أي شديد القوة والمتانة لا ينفصم أو ينقطع بسهولة، غلظته ايجابية تحوّل المشكلات إلى فرص للإصلاح والبناء لا للنزاع والهدم.

مقارنة قرآنية فريدة
– وصف الله تعالى الطلاق بـأنه حدٌ من حدوده لقوله {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (سورة البقرة: 229). ⁠بينما وصف الزواج بالميثاق الغليظ لترسيخ قدسيته في عقول الأزواج وضرورة الحفاظ على استمراريته.

خصائص تجعل الزواج “ميثاقًا غليظًا”
1. مُراقبة الله أساسه
– الزواج لا يُبنى على المصالح المادية فقط، بل على تقوى الله ومراعاة الطرف الآخر.
2. مسؤولية مشتركة
– الزوجان شريكان في تحقيق السكن {لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} (الروم: 21)، والمودة {وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَة} (الروم: 22).
3. ثوابت لا تُنقض
– كحرمة الخيانة، وحقوق الأولاد، والنفقة الواجبة.
4. يحتاج إخلاصاً
الإخلاص ضرورة حياتية، وله أهمية في الحياة الزوجية بتعزيز العلاقات المشتركة بين الزوجين بما يخدم مصلحتهما وينمي سعادتهما.
5. عواقبه أبدية
– الزواج الناجح سبب لدخول الجنة، من خلال تحقيق مقاصده في تزكية النفس وتهذيبها، وتقوية الإيمان، والابتعاد عن المعاصي.

كيف نفهم “الغِلَظ” في حياتنا اليومية؟
مواقف حياتية كتطبيق للميثاق الغليظ

* الخلافات: لا تصل إلى الطلاق إلا بعد استنفاد كل طرق الإصلاح؛ {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} (النساء:35).
* ⁠الأزمات المالية: “الغِلَظ” يعني التضحية بالنفقات الكمالية لحماية كيان الأسرة.
* ⁠الإغراءات: الخيانة ليست “خطأً عابراً” بل نقض للميثاق، وكبيرة من الكبائر التي تستدعي غضب الله عز وجل. {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَىٰ ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} (الإسراء: 32) في هذه الآية نهي عن الاقتراب من الزنا، وكل ما يؤدي إليه من أسباب وذرائع.

أخطاء تمزق الميثاق الغليظ

1. التفريط في حقوق الله بين الزوجين؛ كترك الصلاة، أو إهمال تربية الأبناء، {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} (طه: 132)
2. الاستهانة بالآثار النفسية للخلافات؛ كالتهديد بالطلاق لأتفه الأسباب، {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (البقرة: 229).
3. الأنانية؛ أن تضع راحتك فوق مسؤولياتك، “كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيتِهِ فالأميرُ الذي على الناسِ راعٍ عليهم وهو مسؤولٌ عنهم والرجلُ راعٍ على أهلِ بيتِهِ وهو مسؤولٌ عنهم والمرأةُ راعيةٌ على بيتِ بعلها وولدِهِ وهي مسؤولةٌ عنهم وعبدُ الرجلِ راعٍ على بيتِ سيدِهِ وهو مسؤولٌ عنهُ ألا فكلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيتِهِ” (متفق وعليه).
4. ⁠إفشاء أسرار الزوجية؛ فكلا الزوجين مطالب بحفظ الأسرار في حياتهما الزوجية؛ وحتى بعد الفراق بطلاق أو غيره، فلا ينبغي إفشاء ما كان بين الزوجين وإطلاع الغير عليه. {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} (التحريم: 3).

خاتمة

الزواج علاقة مقدسة وليس ورقة تُحرق في وقت الغضب؛ بل هو ميثاقٌ غليظ يُذكِّرنا أننا خُلفاء الله في أرضه، وليكن دعاءنا دائماً {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} (الفرقان: 74).

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *