|

حل النزاعات الزوجية في الفقه الإسلامي.. (نظام الحكمين)

المقدمة

عندما تتعثر سفينة الزواج وتشتد الخلافات بين الزوجين، يقدم الفقه الإسلامي “نظام الحكمين” قبل اللجوء إلى الطلاق كبديل حكيم. يقول تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} (سورة النساء: 35).
وهذا النظام يُعدّ من أرقى آليات الصلح الأسري التي تجمع بين الحكمة الشرعية والمراعاة النفسية وأكثرها انصافاً.

الأسس الشرعية لنظام الحكمين:

* آية الشقاق (سورة النساء: 35) إلزامية عند توقع الانفصال.
* ⁠أثر عمر بن الخطاب رضي الله عنه تطبيقه العملي في قضايا النزاع.
* ⁠الإجماع المتمثل في اتفاق المذاهب الأربعة على مشروعيته.

آلية عمل الحكمين خطوة بخطوة:
1. مرحلة الاختيار
– يختار أهل الزوج (حَكَمًا عادلاً) من أقاربه.
– تختار أهل الزوجة (حَكَمًا عادلاً) من أقاربها.
(بشروط: العلم بأحوال الزوجين، الحكمة، الحياد).

2. مرحلة التحقيق
– يستمع كل حكم لطرفيه بعيداً عن التوتر.
– يدرسان جذور المشكلة (مالية، نفسية، أسرية…).

3. مرحلة الإصلاح
– يقدمان حلولاً وسطاً (كتعديل الحقوق، او علاج التقصير).
– إن تعذر الصلح: يقرر الحكمان التفريق بالتراضى دون لجوء للمحاكم.

ضوابط عمل الحكمين في المذاهب الفقهية:
– الحنفية : لا يملك الحكمان التفريق إلا بموافقة القاضي.
– ⁠المالكية: يملك الحكمان التفريق دون قضاء إن اتفقا.
– الشافعية: يقرران الصلح أو التفريق بحكم القاضي.
– الحنابلة: يملكان التفريق إن فوضهما الزوجان.

الاتجاه الراجح: سلطة التفريق مشروطة بتفويض الزوجين أو القضاء.

فوائد نظام الحكمين التربوية والاجتماعية:
1. احتواء الغضب: تجنب القرارات الانفعالية في لحظات الغضب.
2. إنصاف الطرف الضعيف: حقوق الزوجة الخجولة أو غير المطالبة بحقوقها.
3. الحفاظ على الأسرار الأسرية: حل النزاع داخل الإطار العائلي دون إذاعته.
4. تخفيف العبء القضائي: تقليل القضايا المتراكمة في المحاكم.

تطبيقات معاصرة وتحديات:
_ غياب الخبرة لدى الحكمين؛ والحل لذلك تدريب الأسر على اختيار من يمتلك مهارات حل النزاعات.
_ تحيّز الحكمين لأهلهما؛ والحل اشتراط الحياد في اختيارهما (كاختيار عالم شرعي محايد).
_ ضعف سلطتهما التنفيذية؛ واذا لا بُدّ دعم نظام الحكمين بقانون الأسرة المسلم (كما في دول المغرب والإمارات).

تجربة ناجحة
في ماليزيا، يُلزم “قانون الأحوال الشخصية الإسلامية” (1993) الزوجين باللجوء للحكمين قبل النظر في قضية الطلاق.

خاتمة
نظام الحكمين ليس مجرد “تراث فقهي”، بل نموذج متقدم للإصلاح الأسري يجسّد حكمة الشريعة في:
– تقديم الصلح على القطيعة.
– توظيف الحكمة الأسرية قبل القضاء.
– تحويل الأزمات إلى فرص للتفاهم.

جاء في الحديث الشريف “الكلمةُ الطيبةُ صدقةٌ،.. تَعْدِلُ بيْنَ الاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ” (متفق عليه). فالحكمين هم “أطباء الأسرة” الذين يصلحون بالحكمة ما تفسده الخلافات بين الزوجين.

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *