متى يكون الشخص مستعدا للزواج
اعتدنا أن نربط استعدادنا للزواج بتحقيق إنجازات مادية واجتماعية:
منزل شهادات وربما بعض الماشية والأرض ثم جاءت الرومانسية لتهمس في آذاننا أن الأمر كله يتعلق بالمشاعر
أن تشعر بأن هذا الشخص هو “نصفك الآخر” أن تفهمه كأنه كتاب مفتوح وألا تفكر أبدا في شخص سواه يالها من فكرة مغرية!
لكن للأسف هذه الأفكار الوردية غالبا ما تكون فخا يقود إلى نهايات مأساوية ويتركنا نتساءل: “ماذا حدث؟” .
بدلا من هذه الخرافات الرومانسية لننظر إلى الأمر من زاوية مختلفة
زاوية “كلاسيكية” ربما تكون أكثر واقعية وإن بدت أقل بريقا.
في مايلي ثمانية نقاط تجيب على التساؤل الذي طرحناه في عنوان هذه المقالة:
أولا: عندما نكف عن البحث عن الكمال
لنتفق أولا أن الشخص الذي سنقضي حياتنا معه لن يكون كاملا أبدا
سيكون مزعجا متقلب المزاج وربما غير مفهوم في أحيان كثيرة فكّر في الأمر:
“أوافق على الزواج من هذا الشخص وأعلم أنه سيقودني إلى حافة الجنون بين الحين والآخر.”
لكن وهنا المفارقة لا تظن أن المشكلة فيه وحده فالبشر بطبيعتهم مخلوقات معيبة لو اخترت أي شخص آخر لوجدت نفسك أمام مجموعة أخرى من العيوب ربما تكون أشد وطأة.
فالفكرة المثالية للعلاقة الخالية من المشاكل مع شريك “كامل”؟
انسَ أمرها تماما ولعل خوض بعض التجارب العاطفية قبل الارتباط يساعد ليس للعثور على “توأم الروح” الأسطوري
بل لتدرك وبقوة أن كل شخص حتى أولئك الذين يثيرون إعجابنا في البداية يحمل جانبا مزعجا أو ربما جوانب متعددة
ثانيا: عندما نيأس من أن يفهمنا أحد تماما
يبدأ الحب بشعور جميل: أن تجد من يفهمك بعمق من يضحك لنكاتك ويشاركك كراهية أشخاص معينين تظن أنك وجدت توأم روحك.
لكن مع الأسف هذا الشعور غالبا ما يكون وهما مؤقتا الحقيقة المرة هي أنه ستظل هناك أجزاء من كيانك غامضة
ليس فقط لشريكك بل لأي شخص آخر لذلك لا تلقِ باللوم عليه عندما يعجز عن قراءة أفكارك لم يكن مقصرا بل كان عاجزا وهذا طبيعي.
لا أحد صدقني لا أحد يفهم الآخر بشكل كامل فلماذا نتوقع المستحيل من شركائنا؟
ثالثا :عندما ندرك أننا نحن أيضا.. “مجانين”!
قد يبدو الأمر غريبا أليس كذلك؟ فنحن نميل إلى رؤية أنفسنا كأسوياء بينما “الجنون” يكمن في الآخرين.
لكن لنتوقف لحظة ونتأمل:
ألا نخرج عن طورنا أحيانا؟
ألا نفشل في التحكم في انفعالاتنا؟
أليست ردودنا مبالغ فيها؟
ألا نشعر بالقلق دون سبب واضح؟
بعبارة أخرى: ألسنا بدرجة ما “مجانين”؟
إذا كنا لا نشعر بالخجل من أنفسنا بين الحين والآخر فربما لأننا لم نتعمق كفاية في فهم ذواتنا.
رابعا: عندما نكون مستعدين لتقديم الحب.. لا لتلقيه فقط
“الحب”. كلمة واحدة لكنها تحمل معنيين مختلفين:
أن تكون محبوبا وأن تُحِب متى نكون مستعدين للثانية وواعين بأن تركيزنا كان منصبا على الأولى؟
في طفولتنا اعتدنا على أن نكون محور الاهتمام آباؤنا يلّبون احتياجاتنا
يريحوننا يوجهوننا ونادرا ما يُظهرون لنا الجانب المرهق من الأبوة
العلاقة في معظمها تسير في اتجاه واحد: هم يعطون ونحن نأخذ.
ثم نكبر ونحمل معنا هذه الفكرة اللاواعية: أن الحب يعني أن تجد شخصا يعتني بك يفهمك دون أن تتكلم ويكون صبورا ومتسامحا إلى أبعد الحدود.
لكن الزواج يا صديقي ليس كذلك إنه يتطلب أن نتحول من دور الطفل المدلل إلى دور الوالد المسؤول أن نكون على استعداد لتقديم احتياجات شخص آخر على احتياجاتنا.
وهناك المزيد: الطفل عندما يصرخ في وجه والديه “أكرهكما!”
لا ينهار الوالدان لأنهما يعرفان أن هذه الكلمات لا تعبر بالضرورة عن كره حقيقي
ربما يكون الطفل جائعا غاضبا من لعبة مفقودة أو متضايقا من أمر تافه الوالد الحكيم يحاول أن يفهم ما وراء الكلمات.
لماذا يصعب علينا أن نفعل الشيء نفسه مع شركائنا؟
أن نسمع ما يحاولون قوله حقا بدلا من أن نثور بسبب كلمات جارحة؟
خامسا: عندما نكون مستعدين.. للأعمال المنزلية!
قد تبدو هذه النقطة مبتذلة لكنها جوهرية فالرومانسية تصور لنا الزواج كمجموعة من اللحظات العاطفية الجياشة
لكن الحقيقة أن الزواج يشبه إدارة شركة صغيرة: جداول أعمال تنظيف ترتيب إصلاحات.. والقائمة تطول.
قد لا تبدو هذه المهام “رومانسية” بالمعنى التقليدي لكنها في الواقع أساس العلاقة الناجحة.
علينا أن نتقبل “قدسية” هذه الأعمال وأن نراها جزءا لا يتجزأ من الحب.
متى يكون الشخص مستعدا للزواج
سادسا: عندما نفهم أن الحب والجنس.. ليسا شيئا واحدا
تصر الرومانسية على أن الحب والجنس يسيران جنبا إلى جنب وأن العلاقة الحميمة هي قمة الحب وبالتالي فإن الخيانة الزوجية تعتبر نهاية العلاقة أليس كذلك؟
لكن العلاقة طويلة الأمد قد لا تكون أفضل بيئة للعلاقة الحميمة فالزواج له أبعاد أخرى:
الرفقة المسؤوليات المشتركة وتربية الأطفال.
الجنس قد يتأثر وهذا لا يعني بالضرورة انهيار العلاقة.
لذا يجب على الطرفين ألا يحوّلا الزواج إلى “علاقة جنسية” فقط وأن يكونا مستعدين للتعامل مع أصعب تحدٍ قد يواجهانه: الخيانة.
سابعا: عندما نكون مستعدين للتعلّم.. والتعليم
متى يكون الشخص مستعدا للزواج دائما ما يخطر على بال أي شخص يكون في سن الزوج
لذلك يمكن أن نقول أنه في مجالات معينة قد يكون شريكك أكثر حكمة أكثر نضجا لذا يجب على الشخص
أن يكون مستعدا للتعلم منه تقبّل أن يشير إليك بأخطائك وأن يوجهك انظر إليه كمعلم وإلى نفسك كتلميذ.
وفي المقابل كن مستعدا لأن تكون أنت المعلم في مجالات أخرى لكن كن معلما صبورا لا يصرخ ولا يفقد أعصابه ولا يتوقع من الطرف الآخر أن يعرف كل شيء بمجرد البديهة.
الزواج هو عملية تعلم مستمر عملية تبادل للخبرات والمعرفة.
ثامنا : عندما ندرك أننا.. لسنا “متوافقين” تماما!
تخبرنا الرومانسية أن “الشخص المناسب” هو من يشاركنا كل اهتماماتنا وأفكارنا لكن مع مرور الوقت تظهر الاختلافات حتما.
الشخص المناسب حقا ليس من يوافقنا في كل شيء بل من يستطيع أن يتعامل مع اختلافاتنا بذكاء
وهدوء التوافق ليس حالة ابتدائية بل هو إنجاز نسعى إليه ونحققه بالصبر والتفهم.